فصل: الحديث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّامِن عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَلا وَإِن فِي الْجَسَد مُضْغَة، إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله...» الحَدِيث. حَدِيث صَحِيح جليل حفيل، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «إِن الْحَلَال وَالْحرَام بَين وَبَينهمَا مُشْتَبهَات لَا يعلمهُنَّ كثير من النَّاس، فَمن اتَّقَى الشُّبُهَات اسْتَبْرَأَ لدينِهِ وَعرضه، وَمن وَقع فِي الشُّبُهَات وَقع فِي الْحَرَام كَالرَّاعِي يرْعَى حول الْحمى يُوشك أَن يواقعه، أَلا وَإِن لكل ملك حمى، أَلا وَإِن حمى الله مَحَارمه، أَلا وَإِن فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله، وَإِذا فَسدتْ فسد كُله، أَلا وَهِي الْقلب».

.الحديث التَّاسِع عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ».
هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه وَاضحا فِي بَاب النَّجَاسَات وَالْمَاء النَّجس.

.الحديث العشْرُونَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يَأْكُل الصَّدَقَة وَيقبل الْهَدِيَّة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح مَشْهُور؛ فقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «إِنَّا أهل بَيت لَا تحل لنا الصَّدَقَة» وَقبل هَدَايَا كَثِيرَة، وَقد تقدم جملَة من ذَلِك فِي كتاب الْهِبَة وَكتاب قسم الصَّدقَات، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أُتِي بِطَعَام سَأَلَ عَنهُ؛ فَإِن قيل: هَدِيَّة. أكل مِنْهَا، وَإِن قيل: صَدَقَة. لم يَأْكُل مِنْهَا» وَقَالَ البُخَارِيّ: «فَإِن قيل: صَدَقَة. قَالَ لأَصْحَابه: كلوا. وَلم يَأْكُل، وَإِن قيل: هَدِيَّة. ضرب بِيَدِهِ فَأكل مَعَهم» خرجه فِي كتاب الْهِبَة من صَحِيحه وَمُسلم فِي الزَّكَاة، وَقد ذكره الطَّبَرَانِيّ مُصَرحًا بِهِ فِي حَدِيث وَاحِد رَوَاهُ عَن عبد الله بن أَحْمد، ثَنَا أبي. حَدثنَا هَاشم بن سعيد، ثَنَا الْحسن بن أَيُّوب، عَن عبد الله بن بسر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل الْهَدِيَّة وَلَا يقبل الصَّدَقَة» وَكَذَا هُوَ فِي مُسْند أَحْمد لَكِن فِيهِ هِشَام بن سعيد، وَهِشَام بن سعيد قَالَ فِيهِ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بشىء. وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَالْحسن بن أَيُّوب لم أره فِي كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل مكبرًا؛ بل مُصَغرًا فِي كتاب الْأَزْدِيّ، وَقَالَ: إِنَّه مَجْهُول. نعم الْحسن بن أَيُّوب ضعفه ابْن معِين؛ فَالله أعلم هَل هُوَ أم لَا.
أبنا الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه إليَّ من دمشق سنة نَيف وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة، نَا مُحَمَّد بن صاعد، أَنا الْحسن بن إِسْمَاعِيل، أَنا أَبُو طَاهِر السلَفِي، أبنا أَبُو بكر الطريثيثي وَابْن خشيش قَالَا: أبنا أَبُو عَلّي ابْن شَاذ، شَاذان، أبنا عبد الله بن جَعْفَر، ثَنَا يَعْقُوب بن سُفْيَان الْفَسَوِي، ثَنَا مكي بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا بهز بن حَكِيم ذكره عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أُتِي بِالطَّعَامِ سَأَلَ عَنهُ: أهدية أم صَدَقَة؟ فَإِن قَالُوا: هَدِيَّة. بسط يَده، وَإِن قَالَ: صَدَقَة. قَالَ: لأَصْحَابه: كلوا». غَرِيب.

.الحديث الحَادِي وَالْعشْرُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ جماعات، وَقد رَأَيْت تَأْخِير الْكَلَام عَلَيْهِ إِلَى كتاب الْكِتَابَة؛ فَهُوَ أليق بِهِ.

.الحديث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة أنس وَأبي أَيُّوب، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرطهمَا وَلأبي دَاوُد عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «لَا يكون لمُسلم أَن يهجر مُسلما فَوق ثَلَاثَة أَيَّام»، وَلأبي أَحْمد الْحَاكِم فِي كِتَابه فِي هَذَا الحَدِيث بعد «لَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث إِلَّا أَن يكون مِمَّن لَا تؤمن بوائقه». قَالَ الْحَاكِم: قَالَ أَبُو أُميَّة: فألقيت هَذَا الحَدِيث عَلَى أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: فكذَّبه وَأنكر هَذَا الْكَلَام، وَقَالَ: لَيْسَ كَلَام النَّبِي- يَعْنِي: الْحَرْف الْأَخير. وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث أبي خرَاش السّلمِيّ أَنه سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «من هجر أَخَاهُ سنة فَهُوَ كسفك دَمه».

.الحديث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ:

قَالَ الرَّافِعِيّ: إِذا حلف ليحمدن الله بِمَجَامِع الْحَمد- وَقَالَ فِي التَّتِمَّة: بِأَجل التحاميد- الْبر أَن يَقُول: الْحَمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. يرْوَى «أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام علم آدم هَذِه الْكَلِمَات وَقَالَ: علمتك مجامع الْحَمد».
هَذَا لم أَجِدهُ بعد الْبَحْث وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: ضَعِيف الْإِسْنَاد غير مُتَّصِل... فَذكره، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة: لَيْسَ لهَذِهِ الْمَسْأَلَة دَلِيل مُعْتَمد. فَهَذَا تَصْرِيح مِنْهُ بتضعيفه.

.الحديث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ:

حَدِيث «إِمَامَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام».
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، تقدم بَيَانه فِي كتاب الصَّلَاة.

.الحديث الخَامِس وَالْعشْرُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي أَوَاخِر بَاب شُرُوط الصَّلَاة.

.الحديث السَّادِس وَالْعشْرُونَ:

«رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ لَيْسَ عَلَى مقهور يَمِين».
هَذَا الحَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي بكر مُحَمَّد بن الْحسن الْمُقْرِئ، ثَنَا الْحُسَيْن بن إِدْرِيس، ثَنَا خَالِد بن الْهياج، ثَنَا أبي، عَن عَنْبَسَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْعَلَاء، عَن مَكْحُول، عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع وَعَن أبي أُمَامَة قَالَا: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَيْسَ عَلَى مقهور يَمِين». وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، أما أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن الْمُقْرِئ فَهُوَ النقاش صَاحب التَّفْسِير وَهُوَ كَذَّاب، قَالَ طَلْحَة بن مُحَمَّد بن جَعْفَر: كَانَ النقاش يكذب. وَقَالَ البرقاني: كل حَدِيثه مُنكر. وَقَالَ الْخَطِيب: أَحَادِيثه مَنَاكِير بأسانيد مَشْهُورَة.
وَأما خَالِد بن الْهياج فَلَا أعرفهُ، قَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يعرف حَاله، وَرَوَى عَنهُ الْحُسَيْن بن إِدْرِيس أَحَادِيث أنْكرت عَلَيْهِ لَا أصل لَهَا، مِنْهَا هَذَا الحَدِيث.
وَأما وَالِده الْهياج فَهُوَ ابْن بسطَام الترجمي الْهَرَوِيّ وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، كَمَا قَالَه أَحْمد وَغَيره، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَأما عَنْبَسَة بن عبد الرَّحْمَن فَهُوَ قرشي بَصرِي، وَهُوَ مَتْرُوك، كَمَا قَالَه البُخَارِيّ وَغَيره، قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: كَانَ يضع الحَدِيث. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: كَذَّاب. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: هُوَ مِمَّن يضع الحَدِيث ونسأل الله الْعَافِيَة. وَقد ضعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه بِسَبَب عَنْبَسَة، وَعبد الْحق فِي أَحْكَامه بِسَبَب هياج، وَابْن الْقطَّان بِالْكُلِّ، ثمَّ هُوَ بعد ذَلِك مُنْقَطع، مَكْحُول لم ير أَبَا أُمَامَة، وَفِي سَمَاعه من وَاثِلَة خلاف أوضحته فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب فَرَاجعه مِنْهُ، وَاحْتج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي الْمَسْأَلَة بِحَدِيث عَائِشَة أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا طَلَاق وَلَا عتاق فِي إغلاق وَبِحَدِيث: «وضع عَن أمتِي الْخَطَأ والنسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ». هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَمَا ذكر فِيهِ من الْآثَار:

ثَلَاثَة:

.أَحدهَا:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَنَّهَا سُئِلت عَمَّن جعل مَاله فِي رتاج الْكَعْبَة إِن كلم ذَا قرَابَة لَهُ، فَقَالَت: يكفر مَا يكفر الْيَمين».

.وَثَانِيهمَا:

عَن عمر رَضِي الله عَنهُ «أَنه قيل لَهُ: لَو لينت طَعَامك وشرابك! فَقَالَ: سَمِعت الله تَعَالَى يَقُول: لأقوام {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا}».

.وَثَالِثهَا:

عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه سُئِلَ: هَل تُجزئ القلنسوة فِي الْكَفَّارَة؟ فَقَالَ: إِذا وَفد عَلَى الْأَمِير فَأَعْطَاهُمْ قلنسوة قيل: قد كساهم».
أما الْأَثر الأول: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن، عَن أمه صَفِيَّة بنت شيبَة، عَن عَائِشَة... فَذكره بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَذكره ابْن السكن فِي صحاحه وَلَفظه عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «من جعل مَاله فِي سَبِيل الله أَو فِي رتاج الْكَعْبَة فكفارته كَفَّارَة يَمِين» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن سعيد بن الْمسيب «أَن أَخَوَيْنِ من الْأَنْصَار كَانَ بَينهمَا مِيرَاث، فَسَأَلَ أَحدهمَا صَاحبه الْقِسْمَة فَقَالَ: إِن عدت تَسْأَلنِي الْقِسْمَة فَكل مَالِي فِي رتاج الْكَعْبَة. فَقَالَ لَهُ عمر: إِن الْكَعْبَة غنية عَن مَالك، كفر عَن يَمِينك وكلم أَخَاك، سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يَمِين عَلَيْك، وَلَا نذر فِي مَعْصِيّة الرب، وَلَا فِي قطيعة الرَّحِم، وَلَا فِيمَا لَا يملك» قَالَ ابْن أبي حَاتِم: قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: سعيد بن الْمسيب عَن عمر عندنَا حجَّة؛ قد رَأَى عمر وَسمع مِنْهُ، إِذا لم يقبل سعيد عَن عمر فَمن يقبل؟! وَقَالَ مَالك وَيَحْيَى بن معِين: لم يسمع مِنْهُ. وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن أَيُّوب بن مُوسَى، عَن مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن الحَجبي، عَن أمه، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا سُئِلت عَن رجل قَالَ: مَالِي فِي رتاج الْكَعْبَة. فَقَالَت عَائِشَة: يكفر مَا يكفر الْيَمين».
فَائِدَة: الرتاج: الْبَاب. وَقَوله فِي رتاج الْكَعْبَة أَي: للكعبة، وكنى عَنْهَا بِالْبَابِ؛ لِأَن مِنْهُ يدْخل إِلَيْهَا، وَجمع الرتاج: رتج، ككتاب وَكتب.
وَأما الْأَثر الثَّانِي: فَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ فِي أَوَائِله فِي آخر بَاب الْعلم من حَدِيث مُصعب بن سعد «أَن حَفْصَة قَالَت لَهُ: أَلا تلبس ثوبا أَلين من ثَوْبك وتأكل طَعَاما أطيب من طَعَامك هَذَا وَقد فتح الله عَلَيْك الْأَمر وأوسع عَلَيْك الرزق! فَقَالَ: سأخاصمك إِلَى نَفسك. فَذكر أَمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كَانَ يلقى من شدَّة الْعَيْش فَلم يزل يُنكر حَتَّى بَكت، فَقَالَ: إِنِّي قد قلت: لأشاركنهما فِي مثل عيشهما الشَّديد؛ لعَلي أدْرك مَعَهُمَا عيشهما الرخي» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرطهمَا؛ فَإِن مُصعب بن سعد كَانَ يدْخل عَلَى أَزوَاج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ من كبار التَّابِعين ومن أَوْلَاد الصَّحَابَة. وَاعْترض عَلَيْهِ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصره للمستدرك فَقَالَ: فِي هَذَا الحَدِيث انْقِطَاع.
قلت: وَهُوَ قَول مُصعب بن سعد أَن حَفْصَة قَالَت؛ فَإِن ثَبت سَمَاعه مِنْهَا فَلَا اعْتِرَاض إِذن.
فِي الْمُسْتَدْرك أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر «أَن عمر رَأَى فِي يَد جَابر بن عبد الله درهما فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الدِّرْهَم؟! قَالَ: أُرِيد أَن اشْترِي لأهلي بدرهم لَحْمًا فرموا إِلَيْهِ فَقَالَ عمر: أكل مَا اشتهيتم اشتريتموه؟! فَمَا يُرِيد أحدكُم أَن يطوي بَطْنه لِابْنِ عَمه وجاره، أَيْن تذْهب عَنْكُم هَذِه الْآيَة: {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا} إِلَى قَوْله: {بهَا}؟!. وَلم يتَكَلَّم عَلَيْهِ» وَفِي سَنَده الْقَاسِم بن عبد الله الْعمريّ وَهُوَ واه.
وَأما الْأَثر الثَّالِث: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي، عَن أَبِيه أَن رجلا حَدثهُ «أَنه سَأَلَ عمرَان بن الْحصين عَن رجل حلف أَن لَا يُصَلِّي فِي مَسْجِد قومه، فَقَالَ عمرَان: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا نذر فِي مَعْصِيّة الله وكفارته كَفَّارَة يَمِين. فَقلت: يَا أَبَا نجيد إِن صاحبنا لَيْسَ بالموسر فَبِمَ يكفر؟! فَقَالَ: لَو أَن قوما قَامُوا إِلَى أَمِير من الْأُمَرَاء فكساهم كل إِنْسَان مِنْهُم قلنسوة لقَالَ النَّاس: قد كساهم».
وَمُحَمّد بن الزبير هَذَا ضَعِيف، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث، وَفِيه نظر. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ غَيره: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَذكر الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب أَن ابْن كج رَوَى عَن بعض التصانيف أَن الْحلف بِأَيّ اسْم كَانَ من الْأَسْمَاء التِّسْعَة وَالتسْعين الَّتِي ورد بهَا الْخَبَر صَرِيح، وَهَذَا الْخَبَر الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الإِمَام الرَّافِعِيّ كَانَ من حَقنا أَن نذكرهُ فِي الْأَحَادِيث لَكِن أَخَّرته سَهوا، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما، من حفظهَا دخل الْجنَّة، إِن الله وتر يحب الْوتر». هَذَا لفظ مُسلم، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لله تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما، مائَة إِلَّا وَاحِدًا، من أحصاها دخل الْجنَّة، إِنَّه وتر يحب الْوتر». وَلَفظ البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ: «لله تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما مائَة إِلَّا وَاحِدًا لَا يحفظها أحد إِلَّا دخل الْجنَّة، وَهُوَ وتر يحب الْوتر» ذكره فِي آخر الدَّعْوَات، وَأخرجه من حَدِيث شُعَيْب بن أبي حَمْزَة، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن لله تسعا وَتِسْعين اسْما، مائَة إِلَّا وَاحِدًا، من أحصاها دخل الْجنَّة» قَالَ البُخَارِيّ: من أحصاها: حفظهَا.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة بِنَحْوِهِ مُسْندًا، وَمن حَدِيث همام عَن أبي هُرَيْرَة بِنَحْوِهِ، وَأخرجه بسرد الْأَسْمَاء، وَالْأَئِمَّة: التِّرْمِذِيّ فِي جامعه وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث صَفْوَان بن صَالح الثَّقَفِيّ، ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم، ثَنَا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة أَبُو الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن لله تسعا وَتِسْعين اسْما، مائَة إِلَّا وَاحِدَة، من أحصاها دخل الْجنَّة، إِنَّه وتر يحب الْوتر: هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن، الرَّحِيم، الْملك، القدوس، السَّلَام، الْمُؤمن، الْمُهَيْمِن، الْعَزِيز، الْجَبَّار، المتكبر، الْخَالِق، البارئ، المصور، الْغفار، القهار، الْوَهَّاب، الرَّزَّاق، الفتاح، الْعَلِيم، الْقَابِض، الباسط، الْخَافِض، الرافع، الْمعز، المذل، السَّمِيع، الْبَصِير، الحكم، الْعدْل، اللَّطِيف، الْخَبِير، الْحَلِيم، الْعَظِيم، الغفور، الشكُور، الْعلي، الْكَبِير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الْجَلِيل، الْكَرِيم، الرَّقِيب، الْمُجيب، الْوَاسِع، الْحَكِيم، الْوَدُود، الْمجِيد، الْبَاعِث، الشَّهِيد، الْحق، الْوَكِيل، الْقوي، المتين، الْوَلِيّ، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الْحَيّ، القيوم، الْوَاجِد، الْمَاجِد، الْوَاحِد، الْأَحَد، الصَّمد، الْقَادِر، المقتدر، الْمُقدم، الْمُؤخر، الأول، الآخر، الظَّاهِر، الْبَاطِن، الْوَالِي، المتعالي، الْبر، التواب، المنتقم، الْعَفو، الرءوف، مَالك الْملك، ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام، المقسط، الْجَامِع، الْغَنِيّ، الْمُغنِي، الْمَانِع، الضار، النافع، النُّور، الْهَادِي، البديع، الْبَاقِي، الْوَارِث، الرشيد، الصبور». قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، ثَنَا بِهِ غير وَاحِد عَن صَفْوَان بن صَالح، وَهُوَ ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من غير وَجه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نعلم فِي كثير شَيْء من الرِّوَايَات لَهُ إِسْنَاد صَحِيح ذكر الْأَسْمَاء إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَقد رَوَى آدم بن أبي إِيَاس هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَاد آخر عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر فِيهِ الْأَسْمَاء وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَاد صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله عقب إِخْرَاجه لهَذَا الحَدِيث بِهَذِهِ الْأَسْمَاء فِيهِ: هَذَا حَدِيث قد خرجاه فِي الصَّحِيحَيْنِ بأسانيد صَحِيحَة دون ذكر الْأَسَامِي، فِيهِ وَالْعلَّة فِيهِ عِنْدهمَا أَن الْوَلِيد بن مُسلم تفرد بسياقته بِطُولِهِ وَذكر الْأَسْمَاء فِيهِ وَلم يذكرهَا غَيره، وَلَيْسَ هَذَا بعلة؛ فَإِنِّي لَا أعلم اخْتِلَافا بَين أَئِمَّة الحَدِيث أَن الْوَلِيد بن مُسلم أوثق وأحفظ وَأعلم وَأجل من أبي الْيَمَان وَبشر بن شُعَيْب وَعلي بن عَيَّاش وأقرانهم من أَصْحَاب شُعَيْب ثمَّ نَظرنَا فَوَجَدنَا الحَدِيث قد رَوَاهُ عبد الْعَزِيز بن الْحصين عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وهِشَام بن حسان جَمِيعًا، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما، من أحصاها دخل الْجنَّة: الله، الرَّحْمَن، الرَّحِيم، الْإِلَه، الرب، الْملك، القدوس، السَّلَام، الْمُؤمن، الْمُهَيْمِن، الْعَزِيز، الْجَبَّار، المتكبر، الْخَالِق، البارئ، المصور، الْحَلِيم، الْعَلِيم، السَّمِيع، الْبَصِير، الْحَيّ، الْكَافِي، الْوَاسِع، اللَّطِيف، الْخَبِير، الحنان، المنان، البديع، الْوَدُود، الغفور، الشكُور، الْمجِيد، المبدئ، المعيد، النُّور، البارئ، الأول، الآخر، الظَّاهِر، الْبَاطِن، الْغفار، الْوَهَّاب، القهار، الْأَحَد، الصَّمد، الْبَاقِي، الْوَكِيل، المغيث، الدَّائِم، المتعال، ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام، الْوَلِيّ، الْبَصِير، الْحق، الْمُبين، الْبَاعِث، الْمُجيب، المحيي، المميت، الْجَمِيل، الْعَادِل، الحفيظ، الْكَبِير، الْقَرِيب، الرَّقِيب، الفتاح، الْعَلِيم، التواب، الْقَدِيم، الأكرم، الرءوف، الْمُدبر، الفاطر، الرَّزَّاق، العلام، الْعلي، الْعَظِيم، الْمُغنِي، المليك، المقتدر، الْمَالِك، الْقَدِير، الْهَادِي، الشاكر، الرفيع، الْكَفِيل، الْجَلِيل، الْكَرِيم، ذُو المعارج، ذُو الْفضل». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مَحْفُوظ من حَدِيث أَيُّوب وَهِشَام، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة مُخْتَصرا دون ذكر الْأَسَامِي الزَّائِدَة فِيهَا كلهَا فِي الْقُرْآن، وَعبد الْعَزِيز بن الْحصين ثِقَة وإِن لم يخرجَاهُ، وَإِنَّمَا جعلته شَاهدا للْحَدِيث الأول.
قلت: إِنَّمَا لم يخرجَا لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا جرحاه، قَالَ مُسلم فِيهِ: ذَاهِب الحَدِيث. وَقَالَ البُخَارِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَضَعفه عَلّي وَيَحْيَى، وَقَالَ يَحْيَى مرّة: لَا يُسَاوِي حَدِيثه شَيْئا لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي المقلوبات عَن الْأَثْبَات والموضوعات عَن الثِّقَات؛ فَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَلم أر أحدا وَثَّقَهُ، لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ- بعد إِخْرَاجه من هَذِه الطَّرِيق-: تفرد بِهَذِهِ الرِّوَايَة عبد الْعَزِيز هَذَا، وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أهل النَّقْل، ضعفه يَحْيَى بن معِين وَالْبُخَارِيّ، وَيحْتَمل أَن يكون التَّفْسِير وَقع من بعض الروَاة، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم، وَلِهَذَا الِاحْتِمَال ترك خَ م إِخْرَاج حَدِيث الْوَلِيد فِي الصَّحِيح؛ فَإِن كَانَ مَحْفُوظًا عَن رَسُول الله فَكَأَنَّهُ قصد أَن من أحصى من أَسمَاء الله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما دخل الْجنَّة، أحصاها من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم أَو من عبد الْعَزِيز أَو من سَائِر مَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة. وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: هَذِه الْأَسْمَاء رويت مَعْدُودَة فِي الحَدِيث نَفسه عَن أبي هُرَيْرَة من طَرِيق ابْن سِيرِين بِزِيَادَة وَنقص. رَوَاهُ عَنهُ أَيُّوب وَهِشَام، رَوَاهُ عَنْهُمَا عبد الْعَزِيز بن الْحصين وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْد أهل الحَدِيث وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة- وَإِن كَانَ عِنْدهم مَأْمُونا- لَكِن لَا يعلم هَل تَفْسِير هَذِه الْأَسْمَاء فِي الحَدِيث هَل هِيَ من قَول الرَّاوِي أَو من قَول رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ والظواهر أَنَّهَا من قَول الرَّاوِي؛ لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن أَصْحَاب الحَدِيث لم يذكروها. وَالثَّانِي: أَن فِيهَا تَفْسِيرا بِزِيَادَة ونقصان، وَذَلِكَ لَا يَلِيق بالمرتبة الْعليا النَّبَوِيَّة، قَالَ الإقليسي: عبد الْعَزِيز هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث، وَأولَى الرِّوَايَات بالتعويل مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ؛ فَإِنَّهُ حكم بهَا أصح. وَكَذَا أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه سَوَاء وباقيها مُضْطَرب. وَقَالَ ابْن حزم فِي الْمُحَلَّى بعد أَن رَوَى حَدِيث الصَّحِيح: قَالَ الله: إِن هِيَ إِلَّا أَسمَاء سميتموها أَنْتُم وآباؤكم فصح أَنه لَا يحل لأحدٍ أَن يُسَمِّي الله إِلَّا بِمَا سَمّى بِهِ نَفسه، وَصَحَّ أَن أسماءه لَا تزيد عَلَى تِسْعَة وَتِسْعين شَيْئا، لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «مائَة إِلَّا وَاحِدًا» فنفى الزِّيَادَة وأبطلها لَكِن يخبر عَنهُ بِمَا يفعل تَعَالَى وَجَاءَت أَحَادِيث فِي إحصائها مضطربة لَا يَصح مِنْهَا شَيْء أصلا، وَإِنَّمَا تُؤْخَذ من نَص الْقُرْآن وَبِمَا صَحَّ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد بلغ إحصاؤنا مِنْهَا إِلَى مَا نذكرهُ، وَهِي: الله الرَّحْمَن، الرَّحِيم الْعَلِيم، الْحَكِيم، الْكَرِيم، الْعَظِيم، الْحَلِيم، القيوم الأكرم السَّلَام، التواب، الرب، الْوَهَّاب، الْإِلَه، الْقَرِيب، السَّمِيع، الْمُجيب، الْوَاسِع، الْعَزِيز، الشاكر، القاهر، الآخر، الظَّاهِر، الْكَبِير، الْخَبِير، الْقَدِير الْبَصِير الغفور، الشكُور، الْغفار، القهار، الْجَبَّار، المتكبر، المصور، الْبر، المقتدر، البارئ، الْعلي الْغَنِيّ الْوَلِيّ، الْقوي، المحيي الْمجِيد، الحميد، الْوَدُود، الصَّمد، الْأَحَد، الْوَاحِد، الأول، الْأَعْلَى، المتعال، الْخَالِق، الخلاق، الرَّزَّاق، الْحق، اللَّطِيف، رءوف، عَفْو، الفتاح، المتين، الْمُبين، الْمُؤمن، الْمُهَيْمِن، الْبَاطِن، القدوس، الْملك، مليك، الْأَكْبَر، الْأَعَز، السَّيِّد، سبوح، وتر، محسان، جميل، رَفِيق الْمعز الْقَابِض، الباسط، الشافي، الْمُعْطِي، الْمُقدم، الْمُؤخر، الدَّهْر. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: عجب لِابْنِ حزم لم يكمل التِّسْعَة وَالتسْعين اسْما من الْكتاب، وَإِنَّمَا ذكر مِنْهَا أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ، وَالله يَقُول: {مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء} فَترك: اللَّهُمَّ، والصادق، والمستعان، ومحيطًا، وحافظًا، وفعالاً، وكاف، وَنور، ومخرج، فاطر، فالق، بديع، رَافع، وَفِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ: «الْخَافِض، الرافع» قَالَ أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ: وَلم أعرف أحدا من الْعلمَاء اعتنى بِطَلَب الْأَسْمَاء وَجَمعهَا سُوَى رجل من حفاظ أهل الْمغرب يُقَال لَهُ: عَلّي بن حزم؛ فَإِنَّهُ قَالَ: صَحَّ عِنْدِي قريب من ثَمَانِينَ اسْما اشْتَمَل عَلَيْهَا الْكتاب والصحاح من الْأَخْبَار؛ ليطلب الْبَاقِي بطرِيق الِاجْتِهَاد، وَأَظنهُ لم يبلغهُ الحَدِيث الَّذِي فِي عدد الْأَسَامِي، وَإِن كَانَ بلغه فَكَأَنَّهُ استضعف إِسْنَاده؛ إِذْ عدل عَنهُ إِلَى الْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي الصِّحَاح وَإِلَى استنباط ذَلِك مِنْهَا.
قلت: قد بلغه وَضَعفه كَمَا تقدم، وتحامل القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ عَلَى ابْن حزم، فَقَالَ فِي أَحْكَامه: قَالَ سخيف من المغاربة: عددت أَسمَاء الله فَوَجَدتهَا ثَمَانِينَ. قَالَ: وَلَيْسَ الْعجب مِنْهُ؛ إِنَّمَا الْعجب من الطوسي أَن يَقُول: وَقد عد بعض حفاظ الْمغرب الْأَسْمَاء فَوَجَدَهَا ثَمَانِينَ حسب مَا نَقله إِلَيْهِ طريد طريف ببورقة الْحميدِي؛ وَإِنَّمَا وَقع أَبُو حَامِد فِي ذَلِك بجهله بالصناعة إِنَّمَا كَانَ فصيحًا ذَرِب اللِّسَان، ذَرِب القَوْل فِي الاسترسال عَلَى الْكَلِمَات الصائبة لَكِن القانون كَانَ عَنهُ نَائِيا.
وَقَالَ ابْن عَطِيَّة فِي تَفْسِيره: حَدِيث التِّرْمِذِيّ لَيْسَ بالمتواتر، وَفِي بعض أَسْمَائِهِ شذوذ؛ إِنَّمَا الْمُتَوَاتر مِنْهُ إِلَى قَوْله: «دخل الْجنَّة».
وَورد فِي بعض دُعَاء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «يَا حنان يَا منان» وَلم يَقع هَذَانِ الاسمان فِي تَسْمِيَة التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ أَبُو الْحسن بن الجناد: رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات، وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ التِّرْمِذِيّ، لِأَن هَذِه الرِّوَايَة الَّتِي ذكر فِيهَا الْأَسْمَاء مُعَارضَة عَنهُ لمن ذكر الحَدِيث بِدُونِهَا، وَأَنت تعلم بِأَدْنَى نظر أَن لَيست هَذِه مُعَارضَة فَيحْتَاج إِلَى التَّرْجِيح بَين الروَاة، وَإِذا كَانَ الرَّاوِي الَّذِي ذكر الْأَسْمَاء فِي رِوَايَته عدلا فرواية الْعدْل مَقْبُولَة، وَمَا ذكره ابْن العربى من أَنه لَا يعلم هَذِه الْأَسْمَاء فِي الحَدِيث من قَول الرَّاوِي أَو من قَول رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فاحتمال يتَطَرَّق لكل حَدِيث، فَيكْرَه طرح كل حَدِيث والتوقف عَنهُ، وكل حَدِيث مَرْوِيّ إِلَى هَذَا فَهُوَ بَاطِل مَرْدُود، وَلَا يَبْقَى أَن ترو الْآي وَالْأَحَادِيث بِالِاحْتِمَالِ الْعقلِيّ، وَإِنَّمَا تحمل الْآي وَالْأَحَادِيث عَلَى الِاحْتِمَال اللّغَوِيّ، وَهَذَا أصل عَظِيم فِي التَّأْوِيل فِي سَائِر أَحْكَام الشَّرِيعَة، فَكيف فِي أَسمَاء الله تَعَالَى الَّتِي اتّفق الْجَمِيع عَلَى أَنه لَا يجوز وَضعهَا بِالِاجْتِهَادِ فَكيف يظنّ بالصاحب أَنه وَضعهَا من عِنْد نَفسه أَو وَضعهَا بِالِاجْتِهَادِ؛ بل الْأَقْرَب أَن يُقَال: إِنَّمَا أسقطها من قصر حفظه عَن الْإِتْيَان بهَا عَلَى وَجههَا. قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث يجب قَوْله وَالْعَمَل بِهِ وَالرُّجُوع إِلَيْهِ، وَقد ورد فِي هَذَا الحَدِيث من غير هَذَا السَّنَد زِيَادَة وَنقص وتبديل، وَلكنه بطرِيق معتل؛ فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ.
قلت: يُرِيد حَدِيث عبد الْعَزِيز بن الْحصين، وَبَقِي لهَذَا الحَدِيث طَريقَة أُخْرَى لم يذكرهَا: أخرجه ابْن مَاجَه فِي سنَنه من طَرِيق هِشَام بن عمار، ثَنَا عبد الْملك بن مُحَمَّد الصَّنْعَانِيّ، ثَنَا زُهَيْر بن مُحَمَّد التَّمِيمِي، ثَنَا مُوسَى بن عقبَة، ثَنَا عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لله تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما، مائَة إِلَّا وَاحِدًا، إِنَّه وتر يحب الْوتر، من حفظهَا دخل الْجنَّة...». فَذكرهَا، وعلته مِنْهَا مَا لم يَقع فِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ وَإِن كَانَ بَعْضهَا قد وَقع فِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ. فَأَما مَا لم يَقع فِيهَا: الْبَار، الراشد، الْبُرْهَان، الشَّديد، الوافي، الغانم، الْحَافِظ، النَّاظر، السَّامع، الْمُعْطِي، الْأَبَد، الْمُنِير، التَّام. قَالَ زُهَيْر: فَبَلغنَا من غير وَاحِد من أهل الْعلم أَن أَولهَا يفْتَتح بقول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد بِيَدِهِ الْخَيْر، وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير، لَا إِلَه إِلَّا الله، لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِسْنَاده حسن. هِشَام أخرج لَهُ البُخَارِيّ وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيره، وَعبد الْملك قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: يكْتب حَدِيثه، وَسُئِلَ عَنهُ دُحَيْم فَكَأَنَّهُ ضجعه. وَزُهَيْر خرج لَهُ خَ م، وَسَائِر السَّنَد مَعْرُوف رِجَاله.
قلت: عبد الْملك قَالَ فِيهِ سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن: ثِقَة. ووهاه ابْن حبَان فَقَالَ: يُجيب فِيمَا يسْأَل عَنهُ حَتَّى ينْفَرد بالموضوعات، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بروايته. وَزُهَيْر ثِقَة فِيهِ لين وَإِن كَانَ بِنَفسِهِ، وَلَا يتقاصر هَذَا السَّنَد عَن الْحسن كَمَا قَالَه الْقُرْطُبِيّ، هَذَا مَجْمُوع مَا حضر لي من طرق حَدِيث أَسمَاء الله الْحُسْنَى وَكَلَام الْحفاظ عَلَيْهَا، وَهُوَ جليل حفيل، فَلَا يَضرك طوله، وأختم الْكَلَام فِيهِ بأمرين:
أَحدهمَا: اخْتلف الْعلمَاء فِي مَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام «من أحصاها دخل الْجنَّة» عَلَى أَرْبَعَة أَقْوَال حَكَاهَا الْخطابِيّ.
أَحدهَا: وَبِه فسر البُخَارِيّ وَالْأَكْثَرُونَ أَن مَعْنَاهُ: حفظهَا. وتؤيدها رِوَايَة مُسلم السَّابِقَة: «من حفظهَا دخل الْجنَّة» وَكَذَا رَوَاهُ الْمحَاربي عَلَى مَا سبق.
وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ: من عرف مَعَانِيهَا وآمن بهَا.
وَالثَّالِث: من أطاقها بِحسن الرِّعَايَة لَهَا وتخلق بِمَا يُمكنهُ من الْعَمَل بمعانيها.
وَالرَّابِع: مَعْنَاهُ أَن يقْرَأ الْقُرْآن حَتَّى يختمه فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي هَذِه الْأَسْمَاء كلهَا فِي أَضْعَاف التِّلَاوَة؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: من حفظ الْقُرْآن وقرأه فقد اسْتحق دُخُول الْجنَّة، وَذهب إِلَى نَحْو من هَذَا: أَبُو عبد الله الزبيري، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: جعل- أَعنِي: الزبيري- عَلَى هَذَا التَّأْوِيل أَسمَاء الله كلهَا مَوْجُودَة فِي الْقُرْآن. قَالَ: وَقد أخرجهَا عَنهُ فَوَجَدَهَا مائَة وَثَلَاثَة عشر اسْما. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي أَحْكَامه أَنَّهَا نزلت إِلَى ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة من الْكتاب وَالسّنة، وَذكر الْأَئِمَّة. وَذكر فِي كتاب الأمد أَنه اجْتمع لَهُ مِائَتَا اسْم وَسَبْعَة وَسِتُّونَ اسْما. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَالصَّحِيح أَن المُرَاد الإحصاء أَمر زَائِد عَلَى الْعد وَالْحِفْظ. قَالَ ابْن الْحصار: وأظن أَنِّي رَأَيْت فِي بعض التواليف أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا من أحصى جَمِيع الْأَسْمَاء الْحُسْنَى. وَهَذَا إفراط وَجَهل، وَقَائِل هَذِه الْمقَالة يكفر كثيرا مِمَّن ينتمي إِلَى الْعلم وَالْعُلَمَاء فضلا عَن الْمُسلمين، وَفِي الصَّحِيح: «مَا من عبد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَّا حرمه الله عَلَى النَّار» قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وأحصاها مَهْمُوز اللَّام وَغير مَهْمُوز لُغَتَانِ.
الْأَمر الثَّانِي: أسميت هَذِه الْأَسْمَاء حَتَّى تسْأَل لما فِيهَا من الْعُلُوّ، وَقيل: لما وعد فِيهَا من الثَّوَاب، وَقيل: لكَونهَا حَسَنَة فِي الأسماع والقلوب.
و«المقيت» رُوِيَ بِالْقَافِ، قَالَ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك: بِالْقَافِ ذهب إِلَيْهِ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَرُوِيَ «الْمُبين» بِالْبَاء الْمُوَحدَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ «الرافع» بدل «الْمَانِع» وَمحل الْخَوْض فِي هَذَا كتب الْأَسْمَاء الْحُسْنَى، وَقد أفردها بالتصنيف جمع كَابْن الْعَرَبِيّ وَالْغَزالِيّ والحليمي وَالْبَيْهَقِيّ، وَغَيرهم، وَآخرهمْ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْقُرْطُبِيّ فِي مجلدين ضخمين، فأجاد وَأفَاد رَحْمَة الله عَلَيْهِم، وَهَذَا الْقدر الَّذِي كتبنَا هُوَ مَقْصُود الْحَلِيمِيّ، وَلَعَلَّه فهم مَا فِي هَذِه الْكتب، وَالله أعلم.